جاء قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة 1%، ليشكّل نقطة تحوّل مهمة في مسار السياسة النقدية، بعد فترة طويلة من التشديد الهادف إلى كبح التضخم. فالقرار الذي خفّض سعر عائد الإيداع إلى 20%، والإقراض إلى 21%، وسعر العملية الرئيسية إلى 20.50%، يعكس قراءة جديدة للواقع الاقتصادي وتطورات التضخم وتوقعاته خلال الفترة المقبلة.
أهمية هذا القرار لا تكمن فقط في أرقامه، وإنما في توقيته ورسائله المتعددة.
فخفض الفائدة في هذا التوقيت يُعد إشارة واضحة إلى بدء الانتقال التدريجي من مرحلة السيطرة الصارمة على التضخم، إلى مرحلة تحفيز النشاط الاقتصادي، وعلى رأسه القطاع الصناعي والاستثماري.
بالنسبة للصناعة، يمثل خفض الفائدة متنفسًا حقيقيًا بعد فترة تحمّلت فيها المصانع أعباء تمويلية مرتفعة. فتراجع تكلفة الاقتراض ينعكس مباشرة على قدرة المصانع على إعادة تشغيل الطاقات المعطلة، وتمويل شراء الخامات، وتحديث خطوط الإنتاج، خاصة في القطاعات كثيفة رأس المال.
كما يمنح الشركات مساحة أوسع لإعادة هيكلة ديونها وتحسين التدفقات النقدية، وهو ما ينعكس في النهاية على استقرار الإنتاج والأسعار.
أما على صعيد الاستثمار، فإن القرار يعيد ترتيب معادلة المفاضلة بين الادخار والاستثمار. فمع تراجع العائد على الأدوات الادخارية، تصبح الاستثمارات الإنتاجية أكثر جاذبية، سواء للمستثمر المحلي أو الأجنبي، خصوصًا في ظل توجه الدولة لدعم التصنيع المحلي وتعميق المكون الصناعي وزيادة الصادرات.
ولا يمكن فصل هذا القرار عن السياق الأوسع الذي تعمل فيه الحكومة على تحفيز بيئة الأعمال، عبر التيسيرات الضريبية، وتسهيل إجراءات التراخيص، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. فخفض الفائدة، في هذه الحالة، لا يعمل منفردًا، بل يأتي كجزء من حزمة سياسات تستهدف إعادة تنشيط الاقتصاد الحقيقي.
في المقابل، يبقى التحدي الأساسي هو تحويل هذا الخفض إلى أثر ملموس على أرض الواقع. فالمطلوب خلال المرحلة المقبلة هو أن تنعكس السياسة النقدية التيسيرية على سياسات الإقراض داخل البنوك، وأن تصل ثمارها إلى المصنعين والمستثمرين بشروط تمويل مرنة وسرعة في اتخاذ القرار.
في المحصلة، يمكن القول إن خفض سعر الفائدة يمثل إشارة بداية وليس نهاية المسار. بداية لمرحلة يُفترض أن تشهد مزيدًا من الدعم للنشاط الإنتاجي، وتحفيز الاستثمار، وخلق فرص عمل جديدة، بشرط أن تتكامل السياسات النقدية مع الإصلاحات الهيكلية، وأن يكون القطاع الصناعي في قلب هذه المعادلة.















