رجل صناعة من المقام الأول، يحمل هموم صناعة الأثاث على عاتقه، ويملك رؤية حقيقية للوصول بمنتجات الأثاث المصرية إلى العالمية، ومؤمن بأن الصناعة المصرية تحتاج في الوقت الحالي إلى رؤية واضحة من صانع القرار لإحداث التنمية الصناعية المنشودة، ويرى أن القطاع الخاص قادر على الوصول بالاقتصاد المصري إلى بر الأمان بشرط تقديم الحوافز المشجعة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، و إزالة غابة التشريعات والعراقيل والبيروقراطية التي تثقل كاهل الصناعة الوطنية.
بأفكار جديدة خارج الصندوق فتح المهندس إيهاب درياس رئيس المجلس التصديري للأثاث قلبه لموقع «صناع مصر»، للحديث عن مستقبل صناعة وصادرات الأثاث في مصر، وفرص نمو هذه الصناعة الواعدة، و أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع، وأبرز الأسواق التصديرية المستهدفة، وكيف سيساعد المجلس التصديري في دورته الجديدة التي تمتد لـ 3 سنوات قادمة في جذب شريحة جديدة من صغار المصنعين وفتح آفاق جديدة لهم في الأسواق العالمية، من خلال البعثات التجارية والمشاركة في المعارض العالمية.
تعميق التصنيع المحلي في مستلزمات الانتاج يجب أن يكون علي رأس الأولويات
في البداية قال المهندس إيهاب درياس رئيس المجلس التصديري للأثاث في حواره لموقع «صناع مصر» إن الصناعة من أهم القطاعات في الدولة المصرية، وكانت تلقى اهتماما كبيراً في عهود سابقة، وهناك نية أن تحظى باهتمام كبير في الفترة الراهنة من جانب الحكومة ولكن التنفيذ على أرض الواقع ليس بالشكل المطلوب حتى هذه اللحظة، ورغم الاجتماعات المتكررة مع مسئولي هذا الملف في الوزارات المعنية لبحث التحديات التي تواجه الصناعة وإيجاد حلول سريعة لها إلا أن الإجراءات التي تتم مازالت غير كافية لتخفيف المعوقات والأعباء المستمرة على كاهل الصناع.
وأشار درياس إلى أن الطفرة التي حدثت في صادرات مصر في كل القطاعات وفي الاستثمار الصناعي في الفترة من 2004 إلى 2011 لم تأتي من فراغ، ولكن جاءت بناء خطط ورؤى واضحة وحوافز لتحقيق التنمية الصناعية الشاملة والتركيز على الاستثمار الوطني .
صعوبات الاستيراد الاخيرة عطلت حركة الإنتاج وأثرت علي الصناعة
وأكد أنه في الوقت الراهن ورغم الجهود الكبيرة من من الدولة لمساندة القطاع الصناعي إلا أنه لا تزال فكرة تدشين مستثمر لمنشأة صناعية جديدة داخل مصر بعدة تعقيدات وبيروقراطية وغيرها الي جانب معوقات استيراد الخامات من ناحية وتصدير المنتجات النهائية من ناحية اخري، مشيرا إلى أن ازمة تعطل الاستيراد خلال الفترة الماضية كانت أثارها سلبية على الصناعة المصرية خاصة مع صعوبات استيراد خطوط الانتاج والماكينات ومستلزمات الانتاج وقطع الغيار المطلوبة للصناعة والتي عرقلت دوران حركة الإنتاج.
وأوضح أن توطين الصناعة وتصنيع الماكينات وقطع الغيار في مصر يحتاج بنية تحتية مختلفة تماما تبدأ من التعليم، مشيرا إلى أنه يدعم خطة الدولة الحالية بتعميق التصنيع المحلي ولكن في الوقت ذاته على الدولة إقامة مصانع لإنتاج مستلزمات الإنتاج للحد من فاتورة الإستيراد بدلاً من إقامة صناعات تنافس بها المصانع القائمة في مصر حالياً.
206 ملايين دولار واردات سنوية من خشب MDF والكونتر ومن السهل تصنيعه محليًا.. ومستثمر كويتي يعتزم إنتاجه في مصر
وأضاف أن هناك فرصاً كبيرة جدا للاستثمار في قطاع الأثاث ومستلزمات الإنتاج اللازمة لهذه الصناعة وعلى رأسها الإكسسوارات التي نستوردها سنوياً بقيمة تصل إلى 126 مليون دولار، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن مصر تستورد سنوياً خشب MDF وكونتر بقيمة 206 ملايين دولار، مشيرا الي أن مستثمر كويتي يعتزم تصنيعه في مصر حيث سيغطي إنتاجه 50% من احتياجات المصانع المحلية.
وأشار درياس إلى أن البند الوحيد في المكونات التي تدخل في صناعة الأثاث ولايمكن تصنيعه في مصر هو الأخشاب والقشرة الطبيعية لعدم توافر الغابات لكن باقي المستلزمات يمكن توطينها في مصر.
وأكد درياس ضرورة فتح المجال للقطاع الخاص المصري والأجنبي للاستثمار وتقديم حوافز للمستثمرين لتنمية الصناعة المحلية، مشيرا إلى ضرورة منح كبار المستثمرين القادرين على تصنيع هذه المستلزمات تسهيلات وحوافز كبيرة ضريبية وأراضي مجانية واعتبار هذه الصناعات مشروعات قومية .
يجب منح كبار المستثمرين تسهيلات وحوافز ضريبية وأراضي مجانية لانتاج مستلزمات الانتاج
وعن مدينة الأثاث الجديدة أكد رئيس المجلس التصديري للأثاث إن الصعوبات التي أثرت علي نجاح المشروع هو تحوله من مشروع لتنمية هذه الصناعة إلى مشروع استثماري بحت لتجارة الأراضي، مؤكدا ضرورة دعم هذه الصناعات لتشجيعهم على ضخ رؤوس أموال وتوفير فرص عمل للشباب كما يحدث في الدول المتقدمة.
وضرب درياس مثلاً في هذا الإطار بما يحدث في أسبانيا حيث تم استقدام وفد من المستثمرين الأسبان لضخ رؤوس أموالهم في أحد المناطق الصناعية في صعيد مصر في عام 2007 وسألوا عن المميزات والحوافز التي ستقدمها لهم الدولة للاستثمار في هذه المنطقة فكان الرد هو منح الأراضي مجاناً وهو ما أثار تعجب الوفد الإسباني الذي أكد على ان هذا الامر معمول به في أسبانيا مجاناً وبالتخصيص لمدة تقترب من 50 عاماً، ولكنهم يبحثون في مصر عن حوافز إضافية .
الصنايعي الفني ليس” وصمة عار” .. ويجب تغيير ثقافة المجتمع
وطالب درياس بضرورة الاهتمام بالتعليم الصناعي والتعليم الفني لتخريج دفعات قادرة على تلبية احتياجات سوق العمل والربط بين الصناعة والتعليم حيث أن هناك مجهودات كبيرة تمت في هذا الملف على مدار سنين ماضية ولكن لم تلقى النجاح المطلوب، وهو الأمر الذي يحتاج لحلول جذرية لتغيير ثقافة ونظرة الشعب المصري للعمل للفني حيث يعتبره وصمة عار، ولابد من معرفة قيمة العامل ودوره في الحفاظ على كيان المؤسسة والاستعانة بخبرات الدول المتقدمة في هذا الملف والتي قامت في الأساس على العمالة الفنية ويتم الاعتماد عليها بشكل كبير، مشيرا إلى أنه عند استيراد معدات من ألمانيا فالمسئول عن تركيبها في مصر وصيانتها هي العمالة الفنية الألمانية المدربة وليس المهندسين كما يظن البعض.
ما بين ظاهرة “التوك توك” و”التيك توك” تختفي العمالة الفنية
وواصل حديثه في هذا الملف قائلاً : ” لازم نهتم بالتعليم الفني لانه بعد 20 سنة لو استمر الوضع على ما هو عليه لن نجد عمالة صناعية، واحنا مرينا بعصور كثيرة خطفت العمالة الفنية من المصانع مثل التوك توك في فترة من الفترات و القهاوي و اخيرا منصات التواصل الاجتماعي، ولو استمرينا على هذا الوضع الاجيال الحالية والقادمة ستبتعد عن الصناعة”.
وتابع : ” نحتاج مسئول يكون لديه رؤية واضحة يقود ملف التعليم الفني والصناعي ويكون لديه خطوات حقيقية لحل الأزمة من جذورها، ونبتدي نلمع صورة التعليم الفني والصناعي من سن صغير”، حسب قوله.
330 مليون دولار اجمالي الصادرات المستهدفة من الأثاث بنهاية 2024
وتابع درياس حديثه قائلًا : ” انا عندي أمل في الفريق الذي يقود ملف الصناعة في الوقت الحالي، لكن يجب تحقيق الرؤية على أرض الواقع بقرارات لدعم وتنمية الصناعة بشكل حقيقي.
وكشف رئيس المجلس التصديري للأثاث أن حجم صادرات القطاع وصلت بنهاية أغسطس الماضي إلى 200 مليون دولار، والمستهدف الوصول إلى 330 مليون دولار بنهاية العام الحالي.
المعارض والبعثات التجارية وسائل مهمة للترويج للصادرات المصرية .. ويجب توفير كافة أشكال المساندة للمصدرين
وحدد درياس مطالب عاجلة لزيادة صادرات قطاع الأثاث في مصر، منها ضرورة وجود دعم حقيقي للمعارض الخارجية والبعثات التجارية التي يتم تنظيمها لفتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية عالمياً، مشيرا إلى إن الدول الكبرى مثل إيطاليا وفرنسا تشارك بأجنحة رسمية في المعارض الكبرى العالمية المتخصصة في صناعة الأثاث سواء في دبي أو موسكو أو ميلانو أو باريس أو الرياض، تضم هذه الأجنحة منتجات صغار المصنعين باشتراك رمزي أو مجاناً في بعض الأحيان وذلك بهدف تشجيع هذه الشركات على التصدير.
وفي هذا الإطار انتقد درياس برنامج دعم الصادرات الخاص بالمشاركة في المعارض الخارجية حيث أن به شروط غريبة لا تتواكب مع ظروف العصر الحديث أو آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، مطالبا في الوقت ذاته بضرورة إسناد إدارة المعارض الخارجية لشركة قطاع خاص لتحقيق إنجازات في هذا الملف وإحداث طفرة في الصادرات .
وطالب رئيس المجلس التصديري للمفروشات أيضاً بسرعة الإفراج الجمركي عن الواردات من مستلزمات الإنتاج وقطع الغيار حتى لا تتعطل حركة الإنتاج بالمصانع، مؤكدا أن ان القطاع لايوجد لديه مشكلة بشكل فردي ولكنها عبارة عن تشابكات مع قطاعات أخرى وجهات حكومية تعرقل مسيرة النمو المطلوبة، وعلى سبيل المثال مع وزارة المالية ومصلحة الجمارك بسبب تأخر الإفراج عن السلع بالموانئ على الأقل أسبوعين على عكس ما يحدث في دول العالم المتقدمة حيث أن هذه الواردات من ماكينات وقطع غيار ومستلزمات إنتاج ضرورية لضمان استمرار عجلة الإنتاج وبالتالي ليس هناك أي مبرر لتعطيل الافراج عنها.
نظام (ACI) لم يساعد على تسريع الإجراءات على أرض الواقع
وأوضح أن التحول الرقمي الذي تسعى الدولة لتحقيقه أمر غاية في الأهمية مثل نظام التسجيل المًسبق للشحنات (ACI) والنافذة والفاتورة الإلكترونية ومن المفترض أن هذه الإجراءات تساعد على تسريع الإجراءات ولكن على أرض الواقع مازالت هناك عراقيل تعطل الإفراج عن المنتجات.
وتابع درياس : ” اتعجب من عدم تقدير موظفي الجمارك لتصدير منتجات مصرية تحمل شعار صنع في مصر .. متسائلًا: اين الدافع الوطني؟ “.
وعن خطة المجلس التصديري للأثاث في دورته الجديدة قال رئيس المجلس إن التوسع في المعارض والبعثات التجارية وجلب بعثات المشتريين على رأس أولويات مجلس الإدارة لتحقيق طفرة في ملف الصادرات، مشيرا إلى أنه سيتم التركيز في الزيارات على الأسواق الأوروبية والعربية.
وأوضح أن أسواق أوروبا مازالت مهمة مثل ايطاليا وفرنسا وانجلترا والمنتج المصري قادر على المنافسة بقوة في هذه الأسواق وزيادة صادرات الأثاث إليها حيث أنه على الرغم من المنافسة شرسة على الجودة الا أن مصر تمتلك ميزة سعرية وهناك ميزة في السوق الأوروبي بعد حرب روسيا وأوكرانيا حدث في أوروبا تضخم مرعب بسبب ارتفاع سعر الطاقة كما أنهم بدأوا في الصرف على السلاح وبالتالي خامات المعادن كلها زادت، كما أنه منذ جائحة كورونا والأمور الاقتصادية متدهورة في أوروبا وبالتالي عند تقديم أي عرض من شركة مصرية لأوروبا يلقى قبول من الجانب الأوروبي رغم انهم يتلقون عروضاً من الصين بأسعار أقل في بعض المنتجات ولكن الأوروبيين على استعداد للإستيراد من مصر بتكلفة أعلى 20% من الصين بسبب عدة مزايا منها قرب الثقافات والحديث بلغة واحدة وقرب المسافة عن الصين وبالتالي سهولة في الشحن والإنتقالات.
وتابع أنه من فيما يتعلق بالاسواق العربية فمن أبرز الأسواق المستهدفة السعودية التي تحتل الصدارة في صادرات الأثاث المصرية إلى جانب الأردن والامارات وعمان فضلا عن خطة للمشاركة في إعادة الاعمار في ليبيا والعراق.
وأوضح درياس أن المجلس سيواصل في الدورة الجديدة تأهيل الشركات للتصدير من خلال تنظيم ورش عمل لتأهيل الشركات وإطلاعهم على آخر ما توصلت إليه هذه الصناعة عالميًا.
اهتمام كبير من المجلس بتوجيه المصانع للتأمين وتنظيم مسابقة التصميمات للخريجين الجدد
كما يقوم المجلس بتنظيم سمينار عن تأمين المصانع حيث يتم التوعية بأهمية التأمين وضرورة وجود مستشار تأميني مع الشركة للتعامل مع شركات التأمين لحفظ حقوق الشركات العاملة في القطاع.
وأضاف أن المجلس التصديري للأثاث سيقوم أيضا بتنظيم مسابقة التصميم للخريجين الجدد من الجامعات وخاصة من خريجي الفنون التطبيقية وهي المسابقة التي ينظمها المجلس منذ 15 عاماً ويستهدف من خلالها جذب القوى الابداعية لدى صغار المصممين المصريين و ربطها بالصناعة لتنمية أفكار و تصميمات الشباب فى مجال الاثاث.
عجز كبير حاليًا في مهندسي المكتب الفني بسبب السفر الي الدول المجاورة
وأكد درياس أنه يتم الاستعانة بمصممين ذوي خبرة لتدريب الشباب والخريجين وتضم الدورة الواحدة ما يقرب من 100 طالب ويتم عمل زيارات للطلاب للمصانع لمعرفة آخر ما توصلت اليه الصناعة وكيفية الربط بين تصميماتهم والذي يمكن تنفيذه على أرض الواقع في صناعة الأثاث ويفوز بالمسابقة 3 أعمال، مشيرا إلى أن المجلس يستهدف تطوير الذوق العام للخريج وتطوير امكانياته الفنية وتحويل بعض الخريجين إلى مهندسين مكتب فني وهي الوظيفة التي تمثل عجز كبير لدى مصانع الأثاث بعد هجرة الخبراء في هذه الصناعة إلى الدول العربية المجاورة خلال الشهور الأخيرة وهو ما يتطلب تدخل الدولة لإنشاء كليات داخل الجامعات المصرية لتخريج دفعات بهذا التخصص لتلبية احتياجات سوق العمل.