أكد المهندس عبد الغني الأباصيري، نائب رئيس مجلس إدارة غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات المصرية، أن الدولة أولت اهتمامًا غير مسبوق بقطاع الغزل والنسيج خلال السنوات الأخيرة، باعتباره أحد أهم ركائز الصناعة الوطنية، مشيرًا إلى أن القطاع يمثل نحو 25% من إجمالي القطاع الصناعي في مصر، مما يعكس أهميته الكبرى في دعم الاقتصاد الوطني وزيادة الصادرات.
وأوضح الأباصيري، في تصريحات لبرنامج “بنفكر في بكرة”على قناة النهار, أن القيادة السياسية منذ عام 2014 وضعت الصناعة على رأس أولوياتها، وبدأت في تنفيذ خطة شاملة لتحديث مصانع الغزل والنسيج وحلج الأقطان، وفي مقدمتها تطوير مصنع غزل المحلة الذي يمثل طفرة صناعية كبيرة بفضل تقنياته الحديثة وقدرته الإنتاجية العالية.
تحديث شامل لمصانع الغزل والنسيج
قال الأباصيري إن الدولة قامت خلال الفترة الماضية بتحديث معظم مصانع حلج الأقطان، إضافة إلى إنشاء وتطوير مصنع غزل المحلة العملاق الذي تبلغ تكلفة إنشائه ومعداته نحو 21.5 مليار جنيه، على مساحة ضخمة، بهدف تقليل الواردات وزيادة المكون المحلي في الصناعة الوطنية.
وأضاف أن المصنع ينتج أكثر من 30 طنًا يوميًا من القطن طويل التيلة، مشيرًا إلى أنه سدّ جزءًا كبيرًا من احتياجات السوق المحلي، وساهم في تقليل الاعتماد على استيراد الخامات من الخارج.
وأوضح أن الدولة تعمل في الوقت نفسه على إنشاء ستة مصانع لحلج الأقطان ضمن خطة متكاملة لإحياء صناعة النسيج المصرية من المنبع إلى المنتج النهائي.
وأكد نائب رئيس الغرفة أن هذا التطوير انعكس بشكل مباشر على زيادة الصادرات المصرية من الغزل والمنسوجات، مشيرًا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت اهتمامًا كبيرًا من القيادة السياسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الخام وضمان توافرها للمصانع المحلية.
استيراد محدود للأقطان القصيرة والمتوسطة
أوضح الأباصيري أن مصنع غزل المحلة يعتمد على القطن طويل التيلة، وهو ما يغطي جزءًا كبيرًا من احتياجات السوق المحلي ويُخصص جزءًا آخر للتصدير، لافتًا إلى أن القطن المتوسط والقصير التيلة ما زال يتم استيراده من الخارج لتلبية احتياجات بعض الصناعات.
وأشار إلى أن الدولة تعمل حاليًا على تقليل هذا الاعتماد من خلال زيادة الرقعة الزراعية للقطن المصري، مؤكدًا أن إنتاج 2025 سيشهد زيادة بنسبة 40% عن العام السابق في إنتاج القطن المحلي.
التحديات التي واجهت الصناعة
تحدث الأباصيري عن أبرز التحديات التي واجهت الدولة خلال فترة التراجع بين عامي 2009 و2014، موضحًا أن نقص العملة الأجنبية كان من أكبر العقبات أمام القطاع الصناعي ككل، حيث كانت الواردات تتجاوز 130 إلى 140 مليار دولار سنويًا مقابل صادرات لا تتعدى 30 مليار دولار، مما أدى إلى أزمات في تمويل الاستيراد وتأثر المصانع.
وأكد أن الدولة نجحت في معالجة هذه الأزمة من خلال زيادة الصادرات وتحسين موارد النقد الأجنبي من السياحة والتحويلات والاستثمار، لافتًا إلى أن الوضع الحالي يشهد استقرارًا في العملة وتوافرًا في مستلزمات الإنتاج.
كما أشاد بدور نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة في إزالة العقبات التي كانت تواجه المصانع، من خلال التنسيق بين وزارات الزراعة وقطاع الأعمال والصناعة، حيث تم تشكيل لجنة تضم 5 إلى 6 وزارات لحل المشكلات بشكل فوري، ومنع أي جهة من التفتيش على المصانع إلا عبر هيئة التنمية الصناعية، وهو ما أسهم في تحسين بيئة العمل وزيادة الطاقات الإنتاجية.
قفزة في الصادرات وتنوع في الأسواق
كشف الأباصيري أن مصر تستهدف الوصول إلى 12 مليار دولار صادرات ملابس جاهزة بحلول عام 2030، بعدما بلغت صادرات القطاع 2.84 مليار دولار في عام 2024، وتجاوزت 1.5 مليار دولار خلال أول خمسة أشهر من عام 2025، متوقعًا أن تتخطى 3 مليارات دولار بنهاية العام.
وأوضح أن الصادرات المصرية توسعت لتشمل الولايات المتحدة وتركيا والسعودية، حيث بلغت صادراتنا لتركيا نحو 242 مليون دولار بعد أن كانت مصر تستورد منها، مشيرًا إلى أن مصر باتت تصدر أقمشة تركية في سابقة إيجابية تعكس تقدم الصناعة المحلية.
وأضاف أن الولايات المتحدة تمثل أكبر سوق لصادرات الملابس الجاهزة المصرية بنسبة تقارب 75%، بقيمة نحو 760 مليون دولار، مدعومة باتفاقية الكويز التي تسمح بدخول المنتجات المصرية بدون رسوم جمركية، ما يمنحها ميزة تنافسية قوية.
محاربة التهريب ودعم الصناعة الوطنية
أشار الأباصيري إلى أن من أبرز الإجراءات التي ساهمت في حماية الصناعة المحلية هو تطبيق نظام الأسعار الاسترشادية بالتعاون بين الغرفة والجمارك، حيث لم يعد مسموحًا لأي مستورد بتقديم فواتير بقيم غير واقعية لتقليل الرسوم الجمركية.
وأوضح أن هذا النظام حدّ من دخول المنتجات المهربة أو المغشوشة، ما منح المنتج المحلي فرصة حقيقية للمنافسة، لافتًا إلى أن السوق المصرية تشهد حاليًا انتعاشًا في العلامات التجارية المحلية (Local Brands) التي يصممها شباب مصريون ويصنعونها داخل المصانع المحلية بجودة تضاهي البراندات العالمية.
وأكد أن القطن المصري طويل التيلة لا يزال يتمتع بسمعة عالمية متميزة، وتُستخدم خاماته في الصناعات الفاخرة داخل الأسواق الأوروبية.
التعليم الفني عصب تطوير الصناعة
أكد نائب رئيس غرفة الصناعات النسيجية أن أهم التحديات التي تواجه القطاع حاليًا هي نقص العمالة المدربة، موضحًا أن القطاع يعتمد بشكل أساسي على الأيدي العاملة، وأن معظم مصانع الملابس الجاهزة تعاني من عجز في العمالة.
وأشار إلى أن الدولة بدأت تعالج هذه المشكلة بإنشاء مدارس متخصصة في الغزل والنسيج يلتحق بها الطلاب بعد المرحلة الإعدادية، إلى جانب تطبيق نظام التعليم التبادلي الذي يقضي بتدريب الطالب نصف الوقت في المصنع والنصف الآخر في المدرسة، مؤكدًا أن هذا النظام أثبت فاعليته في تخريج كوادر مدربة تلبّي احتياجات السوق.
وطالب الأباصيري بزيادة الاهتمام بالتعليم الفني ومنحه مميزات أكبر لتشجيع الشباب على الالتحاق به.
رسائل للمواطنين والمستثمرين
في ختام حديثه، وجّه المهندس عبد الغني الأباصيري رسالة للمواطنين دعاهم فيها إلى دعم المنتج المحلي والتخلي عن ما وصفه بـ“عقدة الخواجة”، مشيرًا إلى أن المنتجات المصرية تتمتع بجودة عالية وسعر مناسب مقارنة بالمستوردة.
كما وجّه نصيحة لأصحاب المصانع بضرورة مراعاة ظروف المستهلكين والحفاظ على جودة وسعر المنتج، مؤكدًا أن التعاون بين الحكومة والمستثمرين هو السبيل الوحيد لتحقيق النهضة الصناعية.
أما للمستثمرين، فأكد الأباصيري أن مصر من أكثر الدول أمانًا وجاذبية للاستثمار في الشرق الأوسط، داعيًا المستثمرين إلى التوجه نحو التصدير والمشاركة في المعارض الدولية لفتح أسواق جديدة أمام المنتجات المصرية.