في ظل النمو المتسارع لمشروعات الطاقة المتجددة في مصر، دعت منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى ضرورة تعزيز الاستثمارات البيئية العادلة والشاملة، بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة دون إغفال الجوانب الاجتماعية والمجتمعية.
جاء ذلك في تقرير جديد أصدرته المنظمة بالتعاون مع الحركة النسوية للعدالة الاقتصادية والإيكولوجية والتنمية (مينافيم)، والذي تناول تحليلاً معمقًا لمستقبل الاستثمارات الخضراء في المنطقة، مع التركيز على التجربة المصرية.
وأوضح التقرير أن مصر باتت تحظى بمكانة متقدمة على خارطة التحول العالمي للطاقة، مدفوعة بطفرة في الاستثمارات الأجنبية في مجالات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والهيدروجين الأخضر. لكن التقرير لفت الانتباه إلى أهمية تقييم هذه الاستثمارات من منظور اجتماعي وبيئي أوسع، لضمان استفادة المجتمعات المحلية منها، وتحقيق تحول عادل لا يقتصر فقط على المؤشرات الاقتصادية.
وأشار التقرير إلى أن مصر عبّرت في أكثر من محفل ومناسبة دولية عن رغبتها في أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة ودولة قائدة للتنمية المستدامة، وقد أعلنت البلاد عن عدد كبير من مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر تتجاوز قيمتها 40 مليار دولار، بما في ذلك مشاريع ضخمة مثل محطة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان ومزرعة جبل الزيت لطاقة الرياح وغيرها، إلا أنه لا بد من ربط هذه المشروعات بتنمية المجتمعات المحلية وهو الأمر المتبقي إنفاذه في ظل هذا الزخم في استثمارات الطاقة المتجددة الذي شهدته مصر خلال السنوات الأخيرة ، فالتقرير يطرح تساؤلات مهمة حول مدى انعكاس هذه المشاريع والمبادرات واسعة النطاق على تنمية المجتمعات المحلية، وهل هي فعلًا مفيدة للبشر أم أنها تمثل نموذجًا مكررًا من المشاريع الاستخراجية للطاقة ونماذج التنمية الموجهة للتصدير، دون تحقيق العدالة البيئية والاجتماعية المنشودة.
وتعليقًا على ذلك، قالت غوى نكت، المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “تلتزم غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالعمل المشترك والتعاون مع الجهات المعنية في مصر، من أجل تطوير سياسات ومبادرات تتوافق مع معطيات وحقائق واقعنا الإقليمي، بما يضمن أن تعود مبادرات التحول الأخضر لقطاع الطاقة في مصر بالفوائد على التنمية الاقتصادية الوطنية والمجتمعات المحلية، مع خفض التأثيرات السلبية على المناخ.”
ومن أجل تشكيل مستقبل أكثر عدالة في مجال الطاقة، دعا التقرير لضرورة إعادة النظر بشكل جذري في نماذج الاستثمار الحالية، مع أهمية التحول لحلول لا مركزية للطاقة المتجددة تقودها المجتمعات المحلية، مع منح الأولوية للاحتياجات الوطنية بدلاً من نموذج النمو الاقتصادي القائم على التصدير.
كما دعا التقرير لتطبيق سياسات أقوى للتخلص التدريجي من بدائل الوقود التقليدي كالنفط والغاز، وتوسيع ملكية المجتمعات المحلية لمشاريع الطاقة المتجددة، وزيادة الاستثمار في الزراعة المستدامة.
و كأمثلة على هذا التصور البديل، أكد التقرير وجود نماذج ناجحة قائمة في مصر، مثل مبادرة “سيناوية” في جنوب سيناء، ونموذج الزراعة الحيوية لشركة “سيكم”، والذي سلط الضوء عليها من خلال قيامه بتوثيق عمل “سيناوية” ضمن فيلم وثائقي سيتم بثه قريبًا، مشيرا إلى أن هذه الجهود المجتمعية تمثل نماذج عملية للاكتفاء الذاتي الغذائي، واستعادة النظم البيئية، وتمكين المجتمعات المحلية، وهي في مجموعها تمثل بدائل متكاملة قوية للمنهج القائم على المشاريع الضخمة على المستوى الوطني.
وقالت شيرين طلعت، مديرة الحركة النسوية للعدالة الاقتصادية والايكولوجية والتنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينافيم): “لا يمكن للاستثمارات الأجنبية المباشرة وحدها ضمان العدالة أو تحقيق الاستدامة، إنّ مجتمعاتنا ليست مجرد قوة عاملة أو أراضٍ يتم استصلاحها أو استخراج ثرواتها من أجل ازدهار الأسواق العالمية، إنّ المجتمعات المحلية هم أصحاب الأرض الفعليين ولهم خبرة لا تقارن بأراضيهم وثرواتهم وكيفية حل مشاكلهم، كما أنهم يشكلون العامل الرئيسي لبناء اقتصاد أخضر عادل ومرن”، مضيفة” إننا بحاجة لأنظمة طاقة تمكّن المواطنين بدلاً من استنزاف مواردهم، بحيث تصبح أنظمة قائمة على الحقوق والملكية والكرامة.”
وشددت حنين كسكاس، مسؤولة الحملات في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “يجب أن تكون الاستدامة شاملة وعادلة، بحيث يكون الإنسان والبيئة هما الأولوية القصوى عند اتخاذ القرارات الاقتصادية. لذلك علينا الدفاع عن انتقال عادل لقطاع الطاقة يمنح الأولوية للمجتمعات المتأثرة ويضمن قدرتها على الصمود البيئي والاقتصادي على المدى الطويل.”
في الختام، دعا التقرير إلى تبني نظرة مختلفة للاستثمارات الأجنبية في مصر بحيث تكون قائمة على شراكات حقيقية تعزز حق المجتمعات المحلية في تقرير المصير بدلاً من زيادة وتعزيز التبعية، ويؤكد التقرير أن على مصر أن تلعب دوراً أكثر فاعلية في رسم ملامح قطاعات الطاقة المتجددة والهيدروجين والزراعة، بحيث تتماشى مع المصالح الوطنية، مع وضع رفاهية الشعب ومصالحه على قمة هرم الأولويات.
وأضافت أن تحقيق ذلك لن يكون ممكناً إلا من خلال إصلاح النظام المالي العالمي الحالي الذي يمكن مصر والدول المماثلة لظروفها من التخلص من دوامة الديون والنماذج الاقتصادية القائمة على استخراج الثروات الطبيعية، كما أنه وفي الوقت الذي تقف فيه مصر على مفترق الطرق في تحولها نحو الاقتصاد الأخضر، أصبح من الضروري أن تتحول الاستدامة لأولوية اجتماعية أكثر شمولًا وعدالة، مع مراعاة الجانب البيئي.