على مدي عقدين من الزمن أو ما يزيد على ذلك يشهد العالم تحول جذرياً نحو التكنولوجيا وهي ثورة تسير كالطوفان لا تهدأ .
وأمام هذا الزخم المتسارع المخيف من طوفان التكنولوجيا ماذا يفعل القانون والقانونين في ظل التحول الرقمي الذى تمر به الدول بمؤسستها والمجتمعات بكياناتها وما يزيد الامر تعقيداً هو أن الوتيرة التي تتطور بها التكنولوجيا لا يمكن أن يجابها القانون و القاعدة القانونية وعناصرها قد تعجز عن قبضة المقومات التقليدية للتكنولوجيا وهو ما يزيد الأمر صعوبة على القانون والقانونين.
ولكــن ورغم ذلك أري أنه لا غني عن حاجة التكنولوجيا إلى القانون والعكس صحيح وذلك لتداخل كلاهما في بعض ونوضح ذلك في عدة نقاط.
١-كيف للتكنولوجيا أن تكون في حاجة للقانون ؟
التكنولوجيا لفظيًا مكونه من شقين تكنو وهى تعنى الأسلوب أو الأداء و لوجيك وهى تعنى التقنية والعلم
والتكنولوجيا اصطلاحاً تعنى الاستخدام الأمثل للمعرفة العلمية وتطبيقاتها وتطويعها لخدمة الإنسان وتنمية المجتمعات والدول وحتى تحقق التكنولوجيا هذا الهدف لابد أن يكون لها عصا مستقيمه تنظم وتضبط اطارها لتؤدي دورها كوسيله وأداه
للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والعصا المنظمة هي القانون.
وقد أفرزت التكنولوجيا الحديثة العديد من المجالات التي تأثر القانون بها ومن ثم بات من الضروري تنظيمها قانونياً وذلك لحماية حقوق الأفراد والحريات والحفاظ على المجتمع وهو ما يعرف
- قوننة التكنولوجيا
ولذلك وجب تجريم بعض الأفعال الناتجة عن التكنولوجيا وأبرز هذه الأفعال المتصلة بوسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي وإساءة استخدامها وغيرها من الأفعال التي تعتمد على الآليات التكنولوجية المتقدمة.
وأن كان من الصعوبة وضع قواعد قانونية تتسم بالثبات لمعالجتها
إلا أنه يجري العمل على تجريمها ووضع قواعد قانونية بشأنها - ظهور حماية قانونية مستحدثة
لا شك ان التكنولوجيا دخلت في شـتى نواحي الحياة واستحدثت حقوق لم نكن نسمع عنها من قبل مثل الحق في قطع الإتصال وأن لم يكن هذا مدرج في قوانين الدول العربية إلا أنه مدرج في قوانين بعد الدول الاوربية مثل فرنسا
وهذا الحق نظمته بعض الدول الاوربية للحفاظ على الحياة الخاصة للأشخاص وتحديداً ما بعد انتهاء وقت عملهم اليومي
وغيرها من الحقوق مثل الحق في التقدم العلمي والملكية الفكرية ——- إلخ - تحديث قواعد الإثبات
مثل الاعتراف بالرسائل الالكترونية كدليل إثبات والوثائق الالكترونية بعد وضع ضوابط لها وليواكب المشرع التطور التكنولوجي في مجال التنمية التكنولوجية بصفـه عامة.
ومظاهر كثيره أخري لحالات تداخل التكنولوجيا في القانون.
-٢-وماذا عن حاجة القانون للتكنولوجيا؟
إزاء هذا التطور التكنولوجي المتسارع المخيف لا يقف القانون مكتوف الأيد وكان لابد من أن يكون له رد فعل يتبلور من خلالها دمــاج المعطيات التقنية المتطورة الجديدة والاستفادة منها في كافة نواحي الحياة ونذكر منها على سبيل المثال ما يعرف
- أتمتة العمل القانوني
كما هو ظاهر في أرشفة وتخزين واسترجاع البيانات القانونية إلى جانب رسائل البحث والتعليم الالكتروني وصولاً إلى المحاكم الالكترونية والتقاضي عن بعد والتحكيم الالكتروني —— إلخ. - ظهور فروع قانونية تقنية
أدي الي الحاجة إلى منظومة قانونية متطورة ومستحدثة بحيث تتجاوز التقسيم التقليدي للقانون إلى تقسيم تقني مثل قانون المعاملات الالكترونية أو التجارة الالكترونية وقانون حماية المقتنيات الخاصة و قانون المنافسة وقانون الملكية الفكرية —- إلخ. - ظهور مفاهيم تكنو قانونية
نتج عن الثورة التكنولوجية الحديثة ما يجعل القاعدة القانونية ترتدى ثوب تقنى ولذلك عرف العقد الالكتروني – والتوقيع الالكتروني – العقد الذكي – حماية البيانات والاقتصاد الرقمي —— إلخ. - استخدام القانون للخبــرة التكنولوجيا.
- ولا شك أن مثل هذا التطور التكنولوجي لم يسلم من استغلاله من قبل معتادي الاجرام لذلك ظهر ما يعرف بالجرائم الالكترونية أو أن صح التعبير الجريمة الافتراضية وأصبح مسرح ا لجريمة هو الفضاء الرقمي وهى شبكة حاسوبية عنكبوتية وهو مسرح للأذكياء لعدم وجود وقائع مادية وربما ترتكب في عدة دول وبين عدد من الجناة والضحايا وتكون إدارة الجريمة بشكل عابر للحدود.
وأن كان من خصائص القاعدة القانونية التجريد والعمومية إلا أن متطلبات العصر التكنولوجي فرضت ضرورة مرونة تأقلم القانون مع الواقع ولذلك رأينا الكثير من الدول أنشأت أجهزة خاصة بالتحري والتحقيق في الجرائم الالكترونية- إعتماداً على التكنولوجيا المعلوماتية.
وهو ما كان له الاثـــر الإيجابي في الخبرة القضائية ونتائجها على قرارا ت المحاكـــم.
ورغم ما أوضحناه من أن القانون والتكنولوجيا في علاقة تكامل إلا أن القانون سيظل في أزمـــة لمواجهات تحديات التكنولوجيا ووتيرتها السريعة المخيفة
تابعونا لاستكمال سلسلة مقالات عن التكنولوجيا القانونية