أنهت أسعار الذهب العالمي تداولات الأسبوع الماضي دون تغير يذكر ليسيطر التذبذب على أداء المعدن النفيس عقب اجتماعات البنوك المركزية العالمية خلال الأسبوع والتي تسببت في تغير نظرة الأسواق إلى الذهب ليدخل في منطقة سعرية محايدة.
وأغلق الذهب الفوري تداولات الأسبوع الماضي عند المستوى 1925 دولار للأونصة مرتفعاً بمقدار 2 دولار عن سعر افتتاح الأسبوع، وكان قد سجل أعلى مستوياته خلال الأسبوع عند 1947 دولار للأونصة وأدنى مستوى عند 1913 دولار للأونصة.
وأشار تحليل جولد بيليون إلى أن الذهب استطاع أن يُكون منطقة دعم قوية بين 1900 – 1910 دولار للأونصة والآن تنحصر التداولات في المنطقة المحايدة بين 1950 – 1910 دولار للأونصة، والخروج من هذه المنطقة سواء لأعلى أو لأسفل يتطلب حافز مناسب في الأسواق كونه سيدفع السعر إلى تحديد اتجاه جديد.
اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال الأسبوع الماضي أسفر عن تثبيت أسعار الفائدة عند النطاق بين 5.25% – 5.50% ليوافق التوقعات، وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد رفع أسعار الفائدة 11 مرة بين فبراير 2022 ويوليو 2023، مضيفًا إجمالي 5.25 نقطة مئوية إلى السعر الأساسي السابق البالغ 0.25٪ فقط.
وأظهر البنك، أن أسعار الفائدة ستستمر عند مستوياتها المرتفعة لفترة أطول من الوقت، وأشارت التوقعات إلى تخفيضات أقل في الفائدة في عام 2024 مقارنة مع التوقعات السابقة، وحذر رئيس الفيدرالي أن الارتفاعات الأخيرة في معدلات التضخم ومرونة سوق العمل تمنح البنك الفيدرالي مساحة أكبر لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة.
وأشار جيروم باول إلى إمكانية رفع أسعار الفائدة مرة أخرى على الأقل هذا العام، ليتخذ حديثه لهجة متشددة أكثر بكثير من توقعات الأسواق، حيث قلل من احتمالية حدوث ركود في الولايات المتحدة في ظل استمرار مرونة الاقتصاد الأمريكي وهو السيناريو الذي ينذر بضعف في الطلب على الذهب كملاذ آمن.
أما عن توقعات أعضاء البنك الاحتياطي الفيدرالي المعروفة باسم (Dot Plot) والتي تتم كل 3 أشهر، فقد أشارت إلى ارتفاع الفائدة بنسبة 5.6% خلال عام 2023 ما ينذر برفع جديد للفائدة خلال المتبقي من العام الجاري.
كما أشارت إلى تراجع الفائدة إلى 5.1% في عام 2024 أي ما يعادل خفضين فقط في الفائدة خلال 2024، وذلك بعد أن كانت الأسواق تسعر 4 مرات من خفض الفائدة خلال العام المقبل.
تسبب اجتماع الفيدرالي الضغط السلبي على أسعار الذهب خاصة بعد ارتفاع الدولار الأمريكي لأعلى مستوى جديد منذ 6 أشهر وفقاً لمؤشر الدولار الذي يقيس أداؤه مقابل سلة من 6 عملات رئيسية حيث ارتفع خلال الأسبوع المنتهي بنسبة 0.4% ليغلق تداولات الأسبوع فوق المستوى 105.
استمرار أسعار الفائدة الأمريكية في الارتفاع عمل أيضاً على رفع عوائد السندات الأمريكية فقد ارتفع العائد على السندات لأجل 10 سنوات خلال الأسبوع الماضي بنسبة 2.35% ليسجل اعلى مستوى منذ 16 عام عند 4.509%.
ارتفاع العائد على السندات يزيد من تكلفة الفرصة البديلة للذهب الذي لا يقدم عائد لحائزيه، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات الدولار الأمريكي والذي يرتبط بعلاقة عكسية مع الذهب.
الذهب يعود للتعافي
السبب الرئيسي وراء تعافي أسعار الذهب واغلاق تداولات الأسبوع دون خسائر كان تغير نظرة الأسواق خاصة بعد اجتماعات البنوك المركزية العالمية، حيث لجأ البنك المركزي السويسري والمركزي البريطاني إلى تثبيت أسعار الفائدة بعد أن كانت التوقعات تشير إلى رفعهما لأسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.
أيضاً البنك المركزي الياباني قام بتثبيت أسعار الفائدة عند أدنى معدلاتها، الأمر الذي غير نظرة الأسواق إلى الذهب حيث لم تتوقف هذه البنوك عن رفع الفائدة بسبب التغلب على التضخم، ولكن بسبب التخوف من التسبب في ركود اقتصادي لاقتصاداتهم.
وبالتالي فهناك عدم يقين بشأن النمو العالمي الذي لم يعد قادراً على الصمود أمام موجات رفع الفائدة من قبل البنوك المركزية العالمية والتي لها تأثير سلبي كبير على مختلف الأنشطة الاقتصادية.
يعمل هذا على جذب التدفقات المالية إلى الذهب كملاذ آمن، ولكن حتى يعود المعدن النفيس إلى التداول فوق المستوى الفاصل 2000 دولار للأونصة سيحتاج الى حدوث ضعف كبير في الدولار والذي سيحدث في حالة حدوث ضعف واضح في سواق العمل الأمريكي.
الفترة القادمة ستشهد قدر كبير من التركيز على البيانات الاقتصادية والتي ستكون محرك أساسي للأحداث خلال الأسابيع الست المقبلة التي تفصلنا عن اجتماع الفيدرالي القادم.
لجنة تداول السلع الآجلة (COT)
أظهر تقرير التزامات المتداولين المفصّل الصادر عن لجنة تداول السلع الآجلة، والذي يُظهر وضع المضاربة على الذهب للأسبوع المنتهي في 19 سبتمبر، عودة ارتفاع في عقود شراء الذهب بمقدار 2012 عقد مقارنة مع التقرير السابق، بينما انخفض عقود بيع الذهب بمقدار 9287 عقد مقارنة مع التقرير السابق.
البيانات المتأخرة الصادرة عن تقرير لجنة تداول السلع الآجلة (COT) تظهر عودة الطلب على عقود شراء الذهب مقارنة مع عقود البيع التي شهدت تراجع، وهو ما قد ينذر بإمكانية عودة الإقبال على عقود شراء الذهب الآجلة خلال الفترة القادمة.
الأسبوع الماضي شهد خروج تدفقات من الاستثمارات المتداولة في البورصة المدعومة بالذهب بمقدار 16 طن من الذهب، في الوقت الذي انخفضت فيه الحيازات في أكبر صناديق الاستثمار المتداولة للذهب وأكثرها سيولة في العالم إلى أدنى مستوى لها منذ يناير 2020
أيضاً انخفض صافي صفقات شراء الذهب بنسبة 75٪ تقريبًا خلال الأسابيع الأربعة الماضية. وفي ظل هذه الخلفية سيجد الذهب بلا شك صعوبة في الخروج من موقفه الدفاعي في المستقبل القريب.
ومع ذلك فإن المعنويات الآن هبوطية للغاية لدرجة أنه لن يتطلب الأمر الكثير لتحفيز انتعاش الأسعار. والبيانات الاقتصادية ستكون هي الحافز المناسب لحدوث هذا خلال الفترة القادمة لتخرج الذهب من حالة الحيادية الحالية.
أسعار الذهب في مصر
شهد الأسبوع الماضي ارتفاع في أسعار الذهب المحلي ليتزامن مع تذبذب في أسواق الذهب العالمي، ولكن نهاية الأسبوع شهدت عودة الاستقرار إلى أسواق الذهب خاصة بعد قرار البنك المركزي المصري.
افتتحت أسعار الذهب تداولات اليوم السبت عند المستوى 2215 جنيه للجرام عيار 21 الأكثر شيوعاً، وذلك قبل أن تتراجع بمقدار 5جنيهات لتتداول وقت كتابة التقرير عند المستوى 2215 جنيه للجرام. بينما سجل سعر الجنيه الذهب اليوم 17,680جنيه.
خلال الأسبوع الماضي ارتفعت أسعار الذهب بمقدار 29 جنيه للجرام ليغلق جلسة الجمعة عند المستوى 2217 جنيه للجرام، وخلال الأسبوع ارتفع السعر إلى المستوى 2250 جنيه للجرام متأثراً بتحركات السعر العالمي، قبل أن يعود سعر الذهب المحلي إلى التراجع من جديد قبل نهاية الأسبوع.
الذهب عاد ليتداول ضمن نطاق عرضي فوق المستوى 2200 جنيه للجرام حالياً ليصبح سقف التداولات حول المستوى 2225 جنيه للجرام.
شهد الأسبوع الماضي قرار البنك المركزي المصري بتثبيت أسعار الفائدة على الإيداع عند 19.25% وعلى الإقراض عند 20.25% دون تغيير، ليوافق أغلبية التوقعات في الأسواق، ليشير البنك أن المؤشرات الاقتصادية بشكل عام جاءت متسقة مع توقعات البنك وهو السبب وراء قرار البنك بتثبيت الفائدة دون تغيير.
وأوضح المركزي المصري أن البنك سيقيم آثار السياسة النقدية المتشددة التي ينتهجها البنك على الأداء الاقتصادي وفقاً للبيانات الاقتصادية التي تصدر الفترة القادمة، وأن مسار أسعار الفائدة سيعتمد على معدلات التضخم المتوقعة وليس مستويات التضخم الحالية.
هذا ولم يتطرق البنك المركزي في بيانه إلى مستقبل سعر صرف الجنيه مقابل الدولار او الإشارة إلى خفض أو تعويم للعملة خلال الفترة القادمة.
أعاد قرار المركزي المصري الهدوء إلى الأسواق من جديد ليظل الترقب لأي تغير في سعر الصرف هو المسيطر على الأسواق.
هذا وقد صدر تقرير عن بنك كريدي سويس السويسري توقع فيه أن تشمل إجراءات الحكومة المصرية خفض لقيمة الجنيه مقابل الدولار لدعم السيولة الدولارية، ليبقي البنك على توقعات سلبية لمستقبل سعر صرف الجنيه المصري بسبب تراجع تدفقات النقد الدولاري وارتفاع التزامات الحكومة المصرية داخلياً وخارجياً.
يرى بنك كريدي سويس أن تأخر تخفيض سعر الصرف يزيد من التداعيات السلبية على الاقتصاد المصري بالإضافة إلى عرقلة برنامج الطروحات الحكومية الأمر الذي قد يضعف الثقة في الاقتصاد المصري، ليشير التقرير أن مصر في حاجة إلى دعم دولي وإجراءات اقتصادية إضافية للتعامل مع التحديات الاقتصادية الحالية وخاصة إذا تأخر تنفيذ إجراءات خفض قيمة الجنيه المصري.
من جهة أخرى أوضح رئيس شعبة الذهب أن مبادرة الإعفاء الجمركي لواردات الذهب كان لها تأثير أساسي على تهدئة واستقرار أسعار الذهب المحلي، وطالب بتمديد المبادرة لفترة جديد من أجل تحقيق الاستقرار في سوق الذهب، حيث من المقرر للمبادرة أن تنتهي في نوفمبر القادم.
هذا وقد كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن الواردات الإجمالية من أشكال خام الذهب قد وصلت إلى 443 ألف دولار فقط خلال شهر يونيو 2023 الماضي، مقارنة مع نفس الشهر من عام 2022 الذي سجل 9 مليون و115 ألف دولار.
وقد أوضح التقرير أن هناك تراجع ملحوظ في واردات مصر من أشكال الذهب بلغت قيمته 8 ملايين و672 ألف دولار خلال شهر واحد فقط.
توقعات أسعار الذهب العالمية والمحلية
أغلق الذهب تداولات الأسبوع الماضي بشكل حيادي مكوناً شمعة سعرية تدل على استقرار السعر وعدم سيطرة قوى البيع أو الشراء على حركة السعر، الأمر الذي سيدفع الذهب إلى الاعتماد على البيانات الاقتصادية خلال الفترة القادمة للخروج من منطقة الحياد السعري الحالية.
منطقة 1910 – 1950 دولار للأونصة أصبحت منطقة حيادية بالنسبة لأسعار الذهب الآن وغياب الحافز المناسب والزخم الكافي يمنع الذهب حتى الآن من الخروج من هذه المنطقة بشكل ناجح.
اختراق هذه المنطقة لأعلى يدفع الذهب إلى منطقة المقاومة عند 1980 دولار للأونصة ومن بعدها المستوى النفسي 2000 دولار للأونصة، بينما كسر منطقة الحياد لأسفل يعيد السعر لاختبار المستوى النفسي 1900 دولار للأونصة وفي حالة كسره يصل إلى 1892 ومن بعده 1885 دولار للأونصة.
أما عن السعر المحلي فنجد أنه يتحرك في نطاقات ضيقة تحت المستوى 2225 جنيه للجرام عيار 21 وذلك بعد انتهاء تأثير اجتماع البنك المركزي الفيدرالي والمصري من الأسواق، ليعود التذبذب هو المسيطر على تحركات السعر حالياً.
في حالة الهبوط التدريجي في السعر خلال الأسبوع القادم سيواجه المستوى 2200 جنيه للجرام ومن بعده يستهدف المستوى 2180 جنيه للجرام. وإذا زاد زخم البيع في حالة الهبوط يصل السعر إلى مستهدف 2150 ومن بعده 2130 جنيه للجرام.