المهندس اسامة بخيت يكتب: من حق أجيال الألفية اختيار المبانى التى تعيش بها

دٌعيت، في يناير 2018 ، لزيارة مجموعة من الشركات الاوربية ، الرائدة في مجالات تكنولوجيا المبانى الاكثر كفاءة والاعلى ذكاء، والتي أنتجت وطورت اخر ماتوصل اليه العالم فى هذا الشأن، وكان من بينها شركه ” ايدج تكنولوجيز ” صاحبة مشروع مبنى ” زاايدج ” فى مدينة زاودس فى امستردام الهولندية، وهو المبنى الذي سُجل بأنه اذكى مبنى فى العالم، والاكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.

قصة مبني ” زاايدج “

التقيت وقتها المدير الفني للشركة السيد ” اريك اوبلز”، الذي حكى لى قصة مبنى ” زاايدج ” الذي طورته ” ايدج تكنولوجيز”، وكيف ان شركة “ديلويت” المستاجره للمبنى أسندت اليهم انشاء مبنى هو الاول من نوعه على مستوى العالم، ليلبى طموح جيل الشباب العاملين بها ، وهو الجيل الذى عاصر صعود نجم شركات مثل جوجل وفيسبوك وتويتر و ال جى وهوواوي، تلك الشركات التى غيرت شكل الكرة الارضية من خلال مجموعة من شباب جيل الألفية المبدعين، الامر الذي كان يستوجب توفير بيئات عمل مرنة ومتطورة تلبي احتياجاتهم وطموحاتهم.

لم تكن “ايدج تكنولوجيز” لتنجح في هذا تنفيذ هذا الحُلم دون البحث فى التركيبة النفسية لهؤلاء الشباب واحتياجاتهم وأفكارهم وطموحاتهم، لاسيما أن هولندا تعانى ازمة في توافر الشباب الموهبين كنتيجة اساسية لارتفاع مستوى الاعمار داخل القارة الاوربية العجوز.

وبلغة الارقام فان مبني “زاايدج” يحتوي علي 28 الف ” sensor” – مستشعر- لقياس درجات الحرارة ،والرطوبة، والاضاءة، وحركة الأفراد، ومستوى الضوضاء، ومستوى ثانى اكسيد الكربون ، مع ربط كافة هذه المستشعرات بأنظمة اضاءة وتكييف وتهوية وتدفئة وكاميرات ذات حركة ديناميكية فريدة من اجل تحقيق أعلى مستويات الراحة والرفاهية، والحفاظ على الصحة واتاحة سرعه الحركة والاداء متناهى الكفاءة ، وذلك عبر حسابات دقيقة  لنسب الهواء النقى ونسب اضاءة النهار والاضاءة الصناعية، والاحمال الحرايه، للتحكم بديناميكية فى البيئه المحيطة الداخلية بما يتناسب مع المعايير الصحيه وبطريقه تراعى خفض استهلاك الطاقه

لم تتوقف الحالة الابداعية عند هذه الحدود فقط، بل بلغت الي حد التحكم فى كافة أرجاء مبني “زاايدج” عن طريق ” موبايل ابليكشن ” للمساعدة في حجز غرف الاجتماعات والمكاتب وفتح الأبواب والدواليب وتحديد درجات الحرارة ونسبة الاضاءة ، ومعرفة أماكن السيارات المتاحة.

مفهوم الـ ” Exploration and exploitation “

واجتمعت خلال الزيارة مع ” فان كون اوستروم”  مؤسس شركة “ايدج تكنولوجيز”  والمؤسس أيضا لشركة ” OVG Real estate  ” العاملة فى مجال الاستثمار العقاري قبل 20 سنه فى هولندا، وأكد على اهمية مفهوم Exploration    ،وهو اكتشاف مساحات جديده تضمن استمرار البزنس وقدرته وتغلبه على المنافسة.

ومفهوم  Exploration and exploitation  يوضح  الفرق بين سياسة اعاده تطبيق دورة البيزنس بنفس ملامحها دون تغيير وبين سياسة استكشاف مساحات جديدة غير متروكة وتطوير الوضع الراهن ، وكيف أن الشركات اللى غرقت فى ال exploitation  اختفت تماما أو أفلست ، بينما نجحت الشركات التي استطاعت الدمج بين Exploration and exploitation ، في قيادة الشكل الجديد لهذه الصناعة.

وعلي سبيل المثال شركة نتفليكس وقدرتها علي تغير صناعه Video renting   الي  Video streaming ، بينما شركة نوكيا انتهى بها الامر مع ظهور ال” سمارت موبيلز”.

فالتحدي الظاهر امام شركات الاستثمار العقاري هو الاستمرار فى بناء المبانى بدون تطوير مع الاهتمام بالمكسب المادي على حساب تحقيق طموع واحتياجات الاجيال الحاليه والاجيال القادمة ، وهذا ما يخلق ميزة كبيرة للشركات االقادرة علي اعادة اكتشاف ذاتها من خلال البحث والتفتيش عن مساحات جديدة تضمن استمرار البيزنس وتطويره والتفوق و التغلب على المنافسة، عبر تحقيق المتطلبات الملحة للتغيير.

لكن كيف يتم توظيف القدرات الفنية المتاحة مع الخبرة والتكنولوجيا ، لانتاج المباني المبتكرة والأعلي ذكاء وكفاءة؟ 

فى اغسطس 2018 أطلقنا بحثا مبدئيا عن الفئات العمرية، وقيمها الشخصية ،  واحتياجتها داخل احدى المبانى الطبية  تضمن عميل مباشر (المشترى) من  Gen x  والتى تتراوح أعمارهم من 39 – 54 عام ، وعميل غير مباشر (الشريك – الابن – الموظف – المستأجر) من Gen Y (Millennial) والتى تتراوح اعمارهم من 38 – 19  عام  وكانت النتائج كالتالى :

وتهتم هذه الأجيال الجديدة بالحصول على حقوقها فى بيئة عمل صحية وتحقيق السلام النفسي والسعادة الشخصيه وهذا ما يطلق عليه (Wellbeing) ، وكذلك الاهتمام بكفاءه المبانى و التقليل من استهلاكات الطاقة، ومراعاه الجانب الاقتصادى والبيئي من خلال تطبيق معايير (Energy efficiency) ، فضلا عن تحقيق الديناميكة داخل بيئه العمل وسهولة الاستخدم وسرعة تلبية الاحتياجات من خلال تطبيق تكنولوجيا التحكم   (Dynamics)

مقياس سعادة الانسان وسلامته النفسية

وفي عام 2013   أصدرت منظمة ” ديلوس”  الأمريكية   Wellbeing standards وهو اول مقياس يهتم بسعاده الانسان وصحته وسلامته النفسيهة داخل المبانى ، حيث أكد ضرورة توافر 7 عناصر رئيسيه داخل المبنى هي (جوده الهواء – المياه – الاضاءه – الراحه –العقل –  التغذيه – الرياضه)

وظهر أيضا قبل سنوات كثيرة مفهوم Leed standards (Leadership in energy and environment standards)  وده لمراعاه الجانب الاقتصادى والبيئى وتخفيض استهلاكات الطاقة داخل المبنى من خلال ( التكييف  – التهوية – التدفئة – الاضاءة – المواد المستخدمة للعزل – اعادة التدوبير – تدوير المياه)

كما أتاح تطور تكنولوجيا الواى فاى ، تطبيق تكنولوجيا انترنت الاشياء لاثبات قدرة الانسان فى الهيمنه من خلال monitor – control    وبدلا من اعطاء الحق ل  building operator  فقط ، فقد اعطى الفرصة ايضا الي User Receptionist    ان يكون لهم control permission.

وجميع تلك المعطيات تجعل الفرصة سانحة لوضع حلول تكنولوجية تقوم على مبادئ الاهتمام بصحه الانسان وسعادته وسلامه النفسي ، وتراعى البعد البيئي والاقتصادى وتتيح لمستخدمي المبنى بالهيمنة على المبنى والتعامل معاه بسهولة و ديناميكية.

وتم بناء مجموعة من السيناريوهات بدمج التكنولوجيات لتوظيفها وتحقيق التقاطع بين 3 دوائر Wellbeing – energy efficiency – dynamics ، خلال 8 مراحل تم وضعها بعناية لخلق سيناريو متفرد يلبى احتياجات المطور والعميل، بجانب رغبة المطور بريادة الاسواق وتطوير المنتجات بدون تكلفه اضافيه تقع على عاتقه عبر تطوير بيئات عمل تناسب وتلبي طموح الاجيال المستخدمه للمبانى والبيئات.